عدد المساهمات : 210 تاريخ التسجيل : 02/04/2015 العمر : 46
موضوع: المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف السبت أبريل 04, 2015 6:41 pm
في زمن غابت عنه مظاهر الألفة والود ، نحتاج أن نعيش مع هذا الحديث الشريف ونتدبر معناه ، فما أحوج المسلمين إليه اليوم .
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف ))
فالمؤمنون الصادقون قوم يألفون ويؤلفون ، يأنس بعضهم ببعض، لا يشعر من يجالسهم بوحشة أو ضيق نفس، لا يمل مجالستهم ، ولا يطول بهم الوقت معهم .
لا أدري كيف يعيش من لا يذوق لذة الألفة مع الآخرين ؟ كيف يبستم ، كيف يستلذ طعم الأكل والشرب والمنام !! وهو يشعر بثقله على الآخرين، أو لا يشعر، لكن الآخرين يشعرون بذلك .
ربما حال الكبر دون الألفة، وربما البطر، وربما النسب أو الحسب ، أو الجاه والمنصب، وهو لا يعلم أن الذكر الحسن هو الذي سيتبع جنازته ويتخلى عنه ذلك كله .
وإذا كنا نتكلم بألفة المرء مع الناس، ونذكر بحث الدين عليها، فما بالك بمن يفقدها بين أفراد أسرته ، بسبب غلظته وبطشه، أو بهجرانه لهم، أو نفرته منهم ، أو بخله عليهم .
ولتعلم أن الألفة تحتاج منك إلى شيء من الجهد، والتضحية، والتنازل عن بعض الحقوق، وعدم الاكتراث ببعض المواجهات ولو كانت عنيفة أحيانًا بين الإخوان، وتاج ذلك كله نية صالحة، وقول جميل،
فمثل هذا هو الذي يستطيع أن يتآلف مع الناس ،
أما من يتمادح بقوة المجادلة، والانتصار في النقاش، ويعد التنازل عن بعض الحقوق إهدار لكرامته، فهذا أبعد ما يكون من الألفة .
ما أمس حاجة الإنسان إلى الألفة ، فبها يتعايش مع كل من حوله، من أهل وجيران وأصدقاء وزملاء .
قال الماوردي : ( إن الألفة الجامعة هي إحدى القواعد المهمة التي يصلح بها حال الإنسان ، وذلك أن الإنسان مقصود بالأذية، محسود بالنعمة، فإذا لم يكن آلفًا مألوفًا تخطفته أيدي حاسديه، وتحكمت فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تصف له معيشته ، إلا إذا كان آلفًا مألوفًا انتصر بالألفة على أعاديه ، وامتنع من حاسديه ، فسلمت نعمته منهم ، وصفت له معيشته معهم ،وإن كان صفو الزمان عسرًا وسلمه خطرا ) .
ولقد كان من أكبر نعم الله في بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن ألف به بين قوم قويت بينهم العصبات ،
ولذلك قال في خطبته في الأنصار بعد حنين (( يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي ، ومتفرقون فألفكم الله بي )) ،
وهكذا شأن المسلم يؤلف بين المتفرقين ويأتلف حوله المحبون .
فقد تستطيع أن تجمع الناس حولك بعرض من الدنيا ، ولكنك لا تستطيع أن تجعلهم جسدا متماسكا إلا بتوفيق من الله يسكب الألفة في القلوب فيجمعها على هدف واحد (( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )) .
وصاحب الألفة بما يناله من رضا الله وحب ملائكته ( يوضع له القبول في الأرض ) ،
وقد قيل في شرح الحديث : المراد بالقبول الحب في قلوب أهل الدين والخير ، والرضا به واستطابة ذكره في حال غيبته ، كما أجرى الله عادته بذلك في حق الصالحين من سلف هذه الأمة ومشاهير الأئمة .
فتآلفك مع أحبابك وانسجامك معهم لن تجد منه فقط محبة من حولك فقط، بل هو طريق إلى الخيرية التي قال عنها النبي ‘ : ( المؤمن مؤلِّف ، ولا خير فين لا يألف ولا يؤلف ) رواه أحمد وإسناد حسن .
ولا تعارض بين تألف الناس وبين المحافظة على الهيبة والاحترام ، إذا أحسن المسلم التصرف ووازن بين المواقف ،
ولذلك نجد في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه ) حديث حسن رواه الترمذي .
وللألفة أسباب تقويها ، وصفات تنميها ، ومنها حسن التعارف بالخلطة والمعاشرة ، كما أن مشاعر الانقباض وعدم الارتياح قد تنشأ من الانكماش عن الناس والفتور في معاملتهم ،
وربما كان هذا ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )) رواه البخاري ومسلم .
كما أن إشاعة البسمة وإفشاء السلام من عوامل قوة الألفة وزيادة المحبة كما في الحديث(( أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم )) رواه مسلم .
وفي التعفف عما في أيدي الناس كسب لقلوبهم وضمان لخلوص محبتهم (( وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس )) صححه الألباني صحيح ابن ماجه .
واحذر كل الحذر أن تقيم صلب الألفة على الحاجات الدنيوية الزائلة،فإنها سرعان ما تزول، بعكس من تقاربت روحهما حتى التقت على محبة الرحمن، فإنك ترى كل معني الإخاء تتخذ مكانها من نفسيهما، فالحب، والإيثار، والنصرة، وصنع المعروف، تراها ماثلة في حياتهما، هذا التأليف الحقيقي بين القلوب.
قال الإمام مالك : ( الناس أشكال كأجناس الطير، الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والبط مع البط ، وكل إنسان مع شكله ) .
وكلما ازدادت الألفة ارتفعت الكلفة ، وقويت الرابطة بين أبناء الجسد الواحد وأمة البنيان المرصوص ، ونكون عندئذ أقدر على دفع الأهواء ونبذ الخلافات ، وصد مكائد الكائدين .
فلنكن كما قال النبي : ( وكونوا عباد الله إخوانا ) .